فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أَرانِي وبي من هَيْبَتي لَكَ وَحْشَةٌ ** فتؤنِسُني باللُّطف مِنكَ وبالعطف

وتُحيِي مُحِبًّا أنت في الحبِّ حَتْفُهُ ** وذا عَجبٌ كيف الحياةُ مَعَ الْحَتْفِ

قال ابن العربي: هذا رجل عاهد الله فوجد الوفاء على التمام والكمال، فاقتدوا به إن شاء الله تهتدوا.
قال أبو الفرج الجوزيّ: سكوت هذا الرجل في هذا المقام على التوكل بزعمه إعانة على نفسه، وذلك لا يحلّ؛ ولو فهم معنى التوكل لعلم أنه لا ينافي استغاثته في تلك الحالة؛ كما لم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من التوكل بإخفائه الخروجَ من مكة، واستئجاره دليلًا، واستكتامه ذلك الأمر، واستتاره في الغار، وقوله لسُرَاقة: «اخْفِ عَنّا» فالتوكل الممدوح لا يُنال بفعل محظور؛ وسكوت هذا الواقع في البئر محظور عليه، وبيان ذلك أن الله تعالى قد خلق للآدمي آلة يدفع عنه بها الضرر، وآلة يجتلب بها النفع، فإذا عطلها مدّعيًا للتوكل كان ذلك جهلًا بالتوكل، وردًّا لحكمة التواضع؛ لأن التوكل إنما هو اعتماد القلب على الله تعالى، وليس من ضرورته قطع الأسباب؛ ولو أن إنسانًا جاع فلم يسأل حتى مات دخل النار؛ قاله سفيان الثّوري وغيره، لأنه قد دلّ على طريق السلامة، فإذا تقاعد عنها أعان على نفسه.
وقال أبو الفرج: ولا التفات إلى قول أبي حمزة: فجاء أسد فأخرجني. فإنه إن صح ذلك فقد يقع مثله اتفاقا، وقد يكون لطفًا من الله تعالى بالعبد الجاهل، ولا ينكر أن يكون الله تعالى لطف به، إنما ينكر فعله الذي هو كَسْبه، وهو إعانته على نفسه التي هي وديعة لله تعالى عنده، وقد أمره بحفظها.
قوله تعالى: {والذين يَصِلُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ}
ظاهر في صلة الأرحام، وهو قول قَتَادة وأكثر المفسرين، وهو مع ذلك يتناول جميع الطاعات.
{وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} قيل: في قطع الرَّحم.
وقيل: في جميع المعاصي.
{وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ}.
سوء الحساب الاستقصاء فيه والمناقشة؛ ومن نوقش الحساب عُذّب.
وقال ابن عباس وسعيد بن جُبَير: معنى.
{يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ} الإيمان بجميع الكتب والرسل كلهم.
الحسن: هو صلة محمد صلى الله عليه وسلم.
ويحتمل رابعًا: أن يصلوا الإيمان بالعمل الصالح؛: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} فيما أمرهم بوصله،: {وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} في تركه؛ والقول الأول يتناول هذه الأقوال كما ذكرنا، وبالله توفيقنا.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابتغاء وَجْهِ رَبِّهِمْ} قيل: {الَّذِينَ} مستأنف؛ لأن: {صَبَرُوا} ماض فلا ينعطف على: {يُوفونَ}.
وقيل: هو من وصف مَن تقدّم، ويجوز الوصف تارة بلفظ الماضي، وتارة بلفظ المستقبل؛ لأن المعنى من يفعل كذا فله كذا؛ ولما كان: {الَّذِينَ} يتضمن الشرط والماضي في الشرط كالمستقبل جاز ذلك؛ ولهذا قال: {الَّذِينَ يُوفُونَ} ثم قال: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا} ثم عطف عليه فقال: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةِ} قال ابن زيد: صبروا على طاعة الله، وصبروا عن معصية الله.
وقال عطاء: صبروا على الرزايا والمصائب، والحوادث والنوائب.
وقال أبو عِمْران الْجَوْني: صبروا على دينهم ابتغاء وجه الله.
{وَأَقَامُواْ الصلاة} أدّوها بفروضها وخشوعها في مواقيتها.
{وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً} يعني الزكاة المفروضة؛ عن ابن عباس، وقد مضى القول في هذا في البقرة وغيرها.
{وَيَدْرَءُونَ بالحسنة السيئة} أي يدفعون بالعمل الصالح السَّيئ من الأعمال، قاله ابن عباس.
ابن زيد: يدفعون الشر بالخير.
سعيد بن جُبير: يدفعون المنكر بالمعروف.
الضّحاك: يدفعون الفحش بالسلام.
جُوَيبِر: يدفعون الظلم بالعفو.
ابن شجرة: يدفعون الذنب بالتوبة.
القُتَبي: يدفعون سفه الجاهل بالحلم؛ فالسّفه السّيئة، والحلم الحسنة.
وقيل: إذا هموا بسيئة رجعوا عنها واستغفروا.
وقيل: يدفعون الشرك بشهادة أن لا إله إلا الله؛ فهذه تسعة أقوال، معناها كلها متقارب، والأول يتناولها بالعموم؛ ونظيره: {إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات} [هود: 114] ومنه قوله عليه السلام لمعاذ: «وَأَتْبِعْ السّيئة الحَسَنَة تَمْحُهَا وخَالِق الناسَ بِخُلُق حَسَن» قوله تعالى: {أولئك لَهُمْ عقبى الدار} أي عاقبة الآخرة، وهي الجنة بدل النار، والدار غدًا داران: الجنة للمطيع، والنار للعاصي؛ فلما ذكر وصف المطيعين فدارهم الجنة لا محالة.
وقيل: عنى بالدار دار الدنيا؛ أي لهم جزاء ما عملوا من الطاعات في دار الدنيا.
قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} أي لهم جنات عدن؛ ف: {جَنَّاتُ عَدْنٍ} بدل من: {عُقْبَى} ويجوز أن تكون تفسيرًا ل: {عُقْبَى الدَّارِ} أي لهم دخول جنات عدن؛ لأن: {عُقْبَى الدَّارِ} حَدَث و: {جَنَّاتُ عَدْنٍ} عين، والحدث إنما يفسر بحدَث مثله؛ فالمصدر المحذوف مضاف إلى المفعول.
ويجوز أن يكون: {جَنَّاتُ عَدْنٍ} خبر ابتداء محذوف.
و{جَنَّاتُ عَدْنٍ} وسط الجنة وقَصَبتها، وسقفها عرش الرحمن؛ قاله القُشَيري أبو نصر عبد الملك.
وفي صحيح البخاري: «إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تُفَجّر أنهار الجنة» فيحتمل أن يكون: {جنات} كذلك إن صحّ فذلك خبر.
وقال عبد الله بن عمرو: إن في الجنة قصرًا يقال له عَدْن، حوله البُرُوج والمروج؛ فيه ألف باب، على كل باب خمسة آلاف حِبَرَة لا يدخله إلا نبي أو صدّيق أو شهيد.
و{عدن} مأخوذ من عَدَن بالمكان إذا أقام فيه؛ على ما يأتي بيانه في سورة الكهف إن شاء الله تعالى.
{وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} يجوز أن يكون معطوفًا على: {أُولَئِكَ} المعنى: أولئك ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم لهم عقبى الدار.
ويجوز أن يكون معطوفًا على الضمير المرفوع في: {يَدْخُلُونَهَا} وحسن العطف لما حال الضمير المنصوب بينهما.
ويجوز أن يكون المعنى: يدخلونها ويدخلها من صلح من آبائهم؛ أي من كان صالحًا، لا يدخلونها بالأنساب.
ويجوز أن يكون موضع: {مَنْ} نصبًا على تقدير: يدخلونها مع من صلح من آبائهم، وإن لم يعمل مثل أعمالهم يُلحقه الله بهم كرامة لهم.
وقال ابن عباس: هذا الصلاح الإيمان بالله والرسول، ولو كان لهم مع الإيمان طاعات أخرى لدخلوها بطاعتهم لا على وجه التبعيّة.
قال القُشَيريّ: وفي هذا نظر؛ لأنه لابد من الإيمان، فالقول في اشتراط العمل الصالح كالقول في اشتراط الإيمان.
فالأظهر أن هذا الصلاح في جملة الأعمال، والمعنى: أن النعمة غَدًا تَتمّ عليهم بأن جعلهم مجتمعين مع قراباتهم في الجنة، وإن دخلها كل إنسان بعمل نفسه؛ بل برحمة الله تعالى.
قوله تعالى: {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ} أي بالتحف والهدايا من عند الله تكرمة لهم.
{سَلاَمٌ عَلَيْكُم} أي يقولون: سلام عليكم؛ فأضمر القول، أي قد سلمتم من الآفات والمحن.
وقيل: هو دعاء لهم بدوام السلامة، وإن كانوا سالمين، أي سلمكم الله، فهو خبر معناه الدعاء؛ ويتضمن الاعتراف بالعبودية.
{بِمَا صَبَرْتُمْ} أي بصبركم؛ ف: {ما} مع الفعل بمعنى المصدر، والباء في: {بما} متعلقة بمعنى.
{سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ} ويجوز أن تتعلق بمحذوف؛ أي هذه الكرامة بصبركم، أي على أمر الله تعالى ونهيه؛ قاله سعيد بن جُبَير.
وقيل: على الفقر في الدنيا؛ قاله أبو عِمران الجونيّ.
وقيل: على الجهاد في سبيل الله؛ كما روي عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تدرون من يدخل الجنة من خلق الله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم؛ قال: المجاهدون الذين تُسدّ بهم الثغور وتُتّقى بهم المكاره فيموت أحدهم وحاجته في نفسه لا يستطيع لها قضاء فتأتيهم الملائكة فيدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار».
وقال محمد بن إبراهيم: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قبور الشهداء على رأس كل حول فيقول: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار». وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان؛ وذكره الْبَيْهَقِيّ عن أبي هُريرة قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي الشهداء، فَإِذَا أَتَى فُرْضَة الشِّعْب يقول: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار». ثم كان أبو بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، وكان عمر بعد أبي بكر يفعله، وكان عثمان بعد عمر يفعله.
وقال الحسن البصري رحمه الله: {بِمَا صَبَرْتُمْ} عن فضول الدنيا.
وقيل: {بِمَا صَبَرْتُمْ} على ملازمة الطاعة، ومفارقة المعصية؛ قال معناه الفُضَيْل بن عِيَاض.
ابن زيد: {بِمَا صَبَرْتُمْ} عما تحبونه إذا فقدتموه.
ويحتمل سابعًا: {بِمَا صَبَرْتُمْ} عن اتباع الشهوات.
وعن عبد الله بن سَلاَم وعلي بن الحسين رضي الله عنهم أنهما قالا: إذا كان يوم القيامة ينادي مناد ليقم أهل الصبر؛ فيقوم ناس من الناس فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة فتتلقّاهم الملائكة فيقولون: إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة؛ قالوا: قبل الحساب؟ قالوا نعم! فيقولون: من أنتم؟ فيقولون: نحن أهل الصبر، قالوا: وما كان صبركم؟ قالوا: صبّرنا أنفسنا على طاعة الله، وصبّرناها عن معاصي الله وصبّرناها على البلاء والمحن في الدنيا.
قال علي بن الحسين: فتقول لهم الملائكة: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين.
وقال ابن سَلاَم: فتقول لهم الملائكة: {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ}.
{فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} أي نعم عاقبة الدار التي كنتم فيها؛ عملتم فيها ما أعقبكم هذا الذي أنتم فيه؛ فالعقبى على هذا اسم، و: {الدار} هي الدنيا. وقال أبو عِمران الْجَوْني: {فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} الجنة عن النار. وعنه: {فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} الجنة عن الدنيا. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق} يعني فيؤمن به ويعمل بما فيه: {كمن هو أعمى} يعني أعمى البصيرة، لا أعمى البصر وهو الكافر فلا يؤمن بالقرآن ولا يعمل بما فيه قال ابن عباس: نزلت في حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه سلم وأبي جهل بن هشام.
وقيل: نزلت في عمار بن ياسر وأبي جهل فالأول هو حمزة أو عمار الثاني هو أبو جهل وحمل الآية على العموم أولى، وإن كان السبب مخصوصًا، والمعنى: لا يستوي من يبصر الحق ويتبعه ومن لا يبصر الحق ولا يتبعه وإنما شبه الكافر والجاهل بالأعمى لأن الأعمى لا يهتدي لرشد، وربما وقع في مهلكة وكذلك الكافر والجاهل لا يهتديان للرشد وهما واقعان في المهلكة: {إنما يتذكر أولو الألباب} يعني إنما يتعظ ذوو العقول السليمة الصحيحة، وهم الذين ينتفعون بالمواعظ والأذكار.
قوله: {الذين يوفون بعهد الله} يعني الذي عاهدهم عليه وهو القيام بما أمرهم به، وفرضه عليهم وأصل العهد حفظ الشيء، ومراعاته حالًا بعد حال وقيل أراد بالعهد ما أخذه على أولاد آدم حين أخرجهم من صلبه، وأخذ عليهم العهد والميثاق: {ولا ينقضون الميثاق} بل يوفون به فهو توكيد لقوله الذين يوفون بعهد الله: {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل} قال ابن عباس: يريد الإيمان بجميع الكتب والرسل يعني يصل بينهم بالإيمان والا يفرق بين أحد منهم والأكثرون على أن المراد به صلة الرحم عن عبد الرحمن بن عوف.
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «قال الله تبارك وتعالى: أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسمًا من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته أو قال بتتته» أخرجه أبو داود والترمذي.
عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله» عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سره أن يبسط له في رزقه وأن يُنسأ له في أثره فليصل رحمه» صلة الرحم مبرة الأهل والأقارب والإحسان إليهم وضده القطع، قوله: وان ينسأ له في أثره الأثر هنا الأجل سمي الأجل أثرًا لأنه تابع للحياة وسابقها.
ومعنى ينسأ: يؤخر والمراد به تأخير الأجل.
وهو على وجهين: أحدهما أن يبارك الله في عمره فكأنما قد زاد فيه.